ابراهيم بيرم – النهار
الذين هم على تواصل مع الرئيس المكلف تاليف الحكومة نجيب ميقاتي ينقلون تاكيده بان بداية الاسبوع المقبل على ابعد تقدير ستشهد ولادة الحكومة المكتملة المواصفات التي بات الجميع ينتظربشراها بعد طول تاخر.
المعروف عن الرئيس ميقاتي انه ليس من النوع الذي يجازف بتحديد مواعيد مفصلية من دون ان يكون مقيما على معطيات تبيح له ذلك .لذا يضيف هؤلاء الذين ياذن لهم الرئيس ميقاتي النطق بلسانه بان كل مستلزمات عملية الولادة الحكومية قد انجزت واكتملت عناصرها وبان اعلان مراسيم الولادة المرتقبة مسالة وقت ليس بالبعيد .
يقر هؤلاء كنوع من الاستذكار والاستعراض بان الولادة الحكومية لم تكن على قدر من اللين والسلاسة ، بل كان اقرب ما يكون الى عملية مخاض عسير ظلت سيوف التعطيل والتاجيل فارضة نفسها حتى الربع ساعة الاخيرة .وقد جسدت “رسالة الشروط او المطالب الستة التي حملها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل للوسيط التفاوض الذي دعي على عجل لهذه المهمة بعد عودة ميقاتي من رحلتيه الخارجيتين ( لندن ونيويورك ) الى الرئيس المكلف المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم ذروة التعقيد والاثارة خصوصا ان هذا العرض المبعوث من لدن التيار البرتقالي كان مرشحا حتما ان يكون “عملية تبديد ” منظمة لكل الجهود المضنية وكل جولات الاتصال وزيارات قصر بعبدا التي بذلت منذ النصف الثاني من تموز الماضي على طريق استيلاد الحكومة وكان يمكن ان تكون ( الشروط والمطالب )استطرادا اعادة موصوفة لعجلة الامور الى المربع الاول . ولكن الذي حصل ان الرئيس ميقاتي نجح في “احتواء ” الهجمات المتتالية عليه من جانب التيار البرتقالي والتي توجت بالمطالب التي صارت الجميع على بينة منها وهي في مندرجاته ومضامينها عبارة عن عملية ” انقلاب تام ” على المعادلات والتوازنات التي نشات بفعل نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة ان لجهة الاستئثار بالتعينات في المراكز الادارية العليا الشاغرة في الدولة ولاسيما الحصة المسيحية منها او لجهة المطلب المستجد والمتجسد باقالة قائد الجيش العماد جوزف عون والمطلب المزمن والمتمثل بازاحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اضافة بطبيعة الحال الى تطعيم الحكومة عبر تسمية الرئاسة الاولى لوزراء جدد هم اصلا محسوبون على التيار ولم يرض عن ادائهم وذلك بعد اخفاق مطلب تطعيم الحكومة بستة وزراء دولة .
يعترف هؤلاء بان العهد ومن ورائه النائب باسيل قد اثبتا صمودا وبراعة وصبرا منقطع النظير وهما يدأبان على المواجهة والمشاكسة ويصران على طرح مطالبهما الثابت منها والمتحول وذلك امر بديهي في خاتمة عهد يستعد للرحيل وهو يجرجر تجربة محاصرة بالشبهات وبقلة التوفيق. ولكن هؤلاء انفسهم يسمحون لانفسهم بالاستنتاج بان قدرة الرئيس ميقاتي على استيعاب الحملات وامتصاص تداعيات الهجمات المتتالية لم تقل شانا بل تنم عن حنكة ودراية خصوصا ان الرجل استشعر بان الفريق الذي اعلن عليه” الحرب” ودعاه الى النزال والمبارزة بدا في سباق محموم مع الزمن اذ يريد ان يدرأ عن نفسه مخاطر “الاجتثاث ” .
ومع كل هذه الوقائع المتتابعة فان الرئيس ميقاتي ليس من النوع الذي “يتباهى ” بتسجيل النقاط والمفاخرة بانتصارات على الشركاء في التجربة السياسية مهما بلغت درجة التباين او مستوى التعارض معهم . لذا فانه يحبذ وفق هؤلاء ان ياخذ الانجاز المفترض ان يتحقق خلال ساعات والمتمثل بتاليف الحكومة في منحى اخر واتجاه مختلف ينطوي على عناصر ايجابية .فاذا لم تبرز خلال الساعات المقبلة اية عراقيل تؤجل ولادة اول حكومة بعد اجراء الانتخابات النيابية الاخيرة فان الرئيس ميقاتي ينزع الى اضافة هذا الانجاز الوطني الى سجل الانجازات التي وعد وتعهد بالمضي لتحقيقها لحظة ان قبل طائعا التصدي لحمل كرة النار المتمثلة بتاليف هذه الحكومة تحت وطاة ازمات متناسلة ومعطيات بالغة الصعوبة والتعقيد ووقائع سوداوية غير واعدة اطلاقا .فالرئيس ميقاتي وعد كما هو معلوم ان تضمن حكومته اجراء الانتخابات النيابية ووفت ثم انها نجحت ايضا باقرار موازنة العام المنصرم ونجحت قبيل ايام قليلة في انجاز موازنة العام الحالي وان تاخر ذلك بعض الوقت .
وعلى رغم الاعتراضات المعلومة على ما انطوت عليه الموازنتان من ارقام وفلسفات ولكن الاكيد ان انجازهما هو بحد ذاته امر له دوره المفصلي في رحلة الالف ميل لاتمام الاصلاح المالي والاقتصادي وانجاز خطة التعافي له اهميته في انجاز المفاوضات الصعبة والدقيقة بين الحكومة وصندوق النقد الدولي من جهة اخرى خصوصا وان اتفاق الاطار مع هذا الصندوق قد اكتمل بعد جهد جهيد ، انطلاقا من قناعة سبق للرئيس ميقاتي والعديد من الوزراء المعنيين بالملف ان عبروا عنها اكثر من مرة ومفادها ان الغاية الكبرى التي تسعى اليها الحكومة ليس الحصول على القرض الذي سبق للصندوق ان وعد به ( 3 مليارات دولار ) بل الاهم هو الحصول على الغطاء الذي يفترض ان يقدمه هذا الصندوق لمالية لبنان والحصول على ختمه الذي هو المعبر المضمون للانطلاق نحو افاق اكثر وعدا .
ولاشك ان ميزان افعال حكومة ميقاتي وحسناتها سيكون اكثر رجحانا عندما تتحقق مساعيها الرامية الى اعادة هيكلة قطاع المصارف الذي كان يشكل درة التاج في الاقتصاد اللبناني وذلك بناء على المشروع المقدم منذ فترة الى مجلس النواب والمرتبط بشكل وثيق بقانون تحديث قانون النقد والتسليف عبر اعادة النظر بشكل جذري به .
تدابير واجراءات خطت بها حكومة ميقاتي الحالية ( حكومة تصريف الاعمال ) قد لاتكون كافية للبعض ومقنعة للبعض الاخر لكن ميقاتي وفريق عمله المالي والاقتصادي مطمئنون الى ان ما انجز هو عبارة عن مداخل لوقف الانهيار من جهة واسس لاعادة النهوض او التعافي من جهة اخرى وتلك مهمة الحكومة الجديدة التي من المفترض انها على وشك الولادة .